فصل: تتمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.واقعة المسلمين مع الإفرنج على عكا.

ثم زحف الإفرنج على عكا في عشر من جمادى الأخيرة من سنة ست وثمانين وخرجوا من خنادقهم إلى عساكر صلاح الدين وقصد العادل أبو بكر بن أيوب في عساكر مصر فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كشفهم الإفرنج عن الخيام وملكوها ثم كر عليهم المصريون فكشفوهم عن خيامهم وخالفهم بعض عساكر مصر إلى الخنادق إلى الخنادق فقطعوا عنهم بعض مدد أصحابهم فأخذتهم السيوف وقتل منهم ما يزيد على عشرين ألفا وكانت عساكر الموصل قريبا من عسكر مصر ومقدمهم علاء الدين خوارزم شاه بن عز الدين مسعود صاحب الموصل فعدمت ميرتهم وأمر صلاح الدين بمناجزتهم على هذا الحال وبلغه الخبر بموت الألمان وما أصاب قومه من الشتات فسر المسلمون بذلك وظنوا وهن الإفرنج به ثم بعد يومين لحقت بالإفرنج إمداد في البحر مع كند من الكنود يقال له الكندهري ابن أخي الاقرسيس لأبيه وابن أخي ملك انكلطيرة لأمه ففرق في الإفرنج أموالا وجند لهم أجنادا ووعدهم بوصول الإمداد على أثره فاعتزموا على الخروج لقتال المسلمين فانتقل صلاح الدين من مكانه إلى الحزونة لثلاث بقين من جمادى الأخيرة لضيق المجال ونتن المكان من جيف القتلى ثم نصب الكندهري على عكا مجانيق وذبابات فأخذها أهل عكا وقتلوا عندها جموعا من الإفرنج فلم يتمكن من ذلك ولا من الستائر عليها لأن أهل البلاد كانوا يصيبونها فعمل تلا عاليا من التراب ونصب المجانيق من ورائه وضاقت الأحوال وقلت الميرة وأرسل صلاح الدين إلى الإسكندرية ببعث الأقوات في المراكب إلى عكا وبعث إلى بيروت بمثل ذلك فبعثوا مركبا ونصبوا فيها الصلبان يوهمون أنه للإفرنج حتى دخلوا إلى المرسى وجاءت بعد الميرة من الإسكندرية ثم جاءت ملكة من الإفرنج من وراء البحر في نحو ألف مقاتل للجهاد بزعمها فأخذت ببحر الإسكندرية هي وجميع ما معها ثم كتب البابا كبير الملة النصرانية من كنيسة برومة يأمرهم بالصبر والجهاد ويخبرهم بوصول الإمداد وأنه راسل ملوك الإفرنج يحثهم على إمدادهم فأزدادوا بذلك قوة واعتزموا على مناجزة المسلمين وجمروا عسكرا لحصار عكا وارتحلوا حادي عشر شوال من السنة فنقل صلاح الدين أثقال العسكر إلى على ثلاثة فراسخ من عكا ولقي الإفرنج على التعبية وكان أولاده الأفضل علي والظاهر غازي والظافر خضر في القلب وأخوه العادل أبو بكر في الميمنة بعساكر مصر ومن انضم إليهم وعماد الدين صاحب سنجار وتقي الدين صاحب حماة ومعز الدين سنجر شاه صاحب جزيرة ابن عمر في المسيرة وصلاح الدين في خيمة صغيرة على تل مشرف نصب له من أجل موضعه فلما وصل الإفرنج وعاينوا كثرة المسلمين ندموا على مفارقة خنادقهم وباتوا ليلتهم وعادوا من الغد إلى معسكرهم فاتبعوهم أهل المقدمة وتخطفوهم من كل ناحية وأحجروهم وراء خنادقهم ثم ناوشوهم القتال في الثالث والعشرين من شوال بعد أن أكمنوا لهم عسكرا فخرج لهم الإفرنج في نحو أربعمائة فارس واستطرد لهم المسلمون إلى أن وصلوا كمينهم فخرجوا عليهم فلم يفلت منهم أحد واشتد الغلاء على الإفرنج وبلغت الغرارة مائة دينار صوري مع ما كان يحمل إليهم من البلدان من بيروت على يد صاحبها أسامة ومن صيدا على يد نائبها سيف الدين علي ابن أحمد المشطوب ومن عسقلان وغيرها ثم اشتد الحال عليهم عند هيجان البحر وانقطاع المراكب في فصل الشتاء ثم هجم الشتاء وأرسى الإفرنج مراكبهم بصور خوفا عليها على عادتهم في صور في فصل الشتاء ووجد الطريق إلى عكا في البحر فأرسل أهلها إلى صلاح الدين يشكون ما نزل بهم وكان بها الأمير حسام الدين أبو الهيجاء فشكى من ضجره بطول المقام والحرب فأمر صلاح الدين بانفاذ نائب وعسكر إليها بدلا منهم وأمر أخاه العادل بمباشرة ذلك فانتقل إلى جانب البحر عند جبل بدلها وجمع المراكب والشواني وبعث العساكر إليها شيئا فشيئا كلما دخلت طائفة خرج بدلها فدخل عشرون أميرا بدلا من ستين كانوا وأهملوا أهل الرجل وتعينت دواودين صاحب صلاح الدين وكانوا نصارى على الجند في إثباتهم وإطلاق نفقاتهم فبلغ الحامية بعكا وضعفت وعادت مراكب الإفرنج بعد إنحسار الشتاء فانقطعت الأخبار عن عكا وعنها وكان من الأمراء الذين دخلوا عكا سيف الدين علي بن أحمد المشطوب وعز الدين أرسلان مقدم الأسدية وابن جاولي وغيرهم وكان دخولهم عكا أول سنة سبع وثمانين والله سبحانه وتعالى أعلم.

.وفاة زين الدين صاحب إربل وولاية أخيه كوكبري.

كان زين الدين يوسف بن زين الدين قد دخل في طاعة صلاح الدين وكانت له إربل كما مر لأبيه وحران والرها لأخيه مظفر الدين كوكبري وكان يعسكر مع صلاح الدين في غزواته وحضر عنده على عكا فأصابه المرض وتوفي في ثامن عشر رمضان سنة أربع وثمانين فقبض أخوه مظفر الدين كوكبري على بلد أمير من أمرائه وبعث إلى صلاح الدين يطلب إربل وينزل عن حران والرها فأجابه وأقطعه إياهما وأضاف إليهما شهرزور وأعمالها ودار بند العرابلي وهي قفجاق وكاتب أهل إربل مجاهد الدين صاحب الموصل خوفا من صلاح الدين مع أن مجاهد الدين كان عز الدين قد حبسه كما مر ثم أطلقه وولاه نائبه وجعل بعض غلماته عيثا عليه فكان يناقضه في كثير من الأحوال فقصد مجاهد الدين أن يفعل معه مثل ذلك في إربل فامتنع منها وولاها مظفر الدين واستفحل أمره فيها ولما نزل مظفر الدين عن حران والرها ولاها صلاح الدين لابن أخيه تقي الدين عمر بن شاهنشاه مضافة إلى ميافرقين بديار بكر وحماة وأعمالها بالشام وتقدم له أن يقطع أعمالها للجند فيتقوى بهم على الإفرنج فسار تقي الدين إليها وقرر أمورها ثم انتهى إلى ميافارقين وتجدد له طمع فيما يجاورها من البلاد فقصد مدينة حال من ديار بكر وسار إليه سيف الدين بكتمر صاحب خلاط في عساكره وقاتله فهزمه تقي الدين ووطىء بلاده وكان بكتمر قد قبض على مجد الدين بن رستق وزير سلطان شاكرين وحبسه في قلعة هنالك فلما انهزم كتب إلى والي القلعة بقتله فوافاه الكتاب وتقي الدين محاصر له فلما ملك القلعة أطلق ابن رستق وسار إلى خلاط وحاصرها فامتنعت عليه فعاد عنها إلى ملاذ كرد فضيق عليها حتى استأمنوا له وضرب لهم أجلا في تسليم البلد ثم مرض ومات قبل ذلك الأجل بيومين وحمله ابنه إلى ميافارقين فدفنه بها واستفلحت دولة بكتمر في خلاط والله تعالى أعلم.